الذكرى الواحدة والخمسون لعيد الاستقلال " 50 سنة ذاكرة و إنجازات "
بعد خمسين سنة من الاستقلال، يأتي إحياء ذكرى استرجاع السيادة الوطنية في هذا الخامس جويلية ليذكر الجميع، وفي ظل الظروف الخاصة التي تعيشها المنطقة، بأهمية هذا اليوم وبرمزيته وبضرورة الحفاظ على مكتسبات عمرها نصف قرن، وثمنها لايعد بملايين الدنانير وإنما بملايين الشهداء الذين سقوا بدمائهم الزكية تراب هذا الوطن ليبزغ فجر الحرية.
ويحيي الجزائريون في مثل هذا اليوم من كل سنة، ذكرى عيدي الاستقلال والشباب، وهو التاريخ الذي يحمل بالنسبة لكل الأجيال، بدء بالجيل الذي فجر ثورة الفاتح نوفمبر والذي كان له الفضل في استرجاع السيادة الوطنية، وصولا إلى الجيل الحالي من أبناء الجزائر الذين يعيشون في ظل الإنجازات التي تمت طيلة خمسين سنة أهمية بالغة، لأنه شهد ميلاد الدولة الجزائرية الحديثة.
ولايستطيع أحد إنكار أن هذه الدولة بدأت حياتها من الصفر، بعد احتلال فرنسي دام قرابة القرن والنصف، فترة عمل فيها هذا المحتل على طمس كل قيم وثقافة الشعب الجزائري، بل وكل إرث حضارته التي تمتد على آلاف السنين.
وإذ نذكر بهذا، فلأنه من الضروري ألّا ينسى أحد هذه المعطيات التاريخية ليدرك حجم الدمار الذي خلفه الاحتلال الفرنسي في بنية المجتمع الجزائري، وبالتالي صعوبة المهمة التي كانت على عاتق السلطة الجزائرية التي تولت تسيير البلاد بعد الاستقلال.
فكل القطاعات كانت تنتظر السياسات الجديدة التي من شأنها تحقيق رفاهية المواطن الجزائري، الذي أنهك من تمييز عاشه طيلة الفترة الاستعمارية.
جهود كثيرة بذلت في هذا الاتجاه، قد يكون هناك اختلاف في تقييمها، لاسيما وأنها عرفت مراحل مختلفة، تبعا للسياسات التي فرضها منطق المصلحة الجيو استراتيجية للجزائر، التي انتقلت من التسيير الاشتراكي إلى اقتصاد السوق اقتصاديا، ومن المركزية المطلقة والحزب الواحد إلى الانفتاح والإصلاحات السياسية من الجانب السياسي.
لكن الأكيد، أن خمسين سنة من استرجاع السيادة الوطنية يصنع الفرق، ولايمكن أن نقول عكس ذلك، حتى وإن اعترفنا بوجود نقائص، فكل المؤشرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية تشير إلى التطور الذي شهدته البلاد منذ 1962.
وهو ما اطلع عليه المواطنون بين 2012 و2013 بمناسبة إحياء الخمسينية، حيث عرضت كل القطاعات مختلف الإنجازات التي تمت طيلة عمر الاستقلال الوطني، وأبرزت التطور الذي شهدته سواء من الناحية المادية أو من الناحية البشرية.
فجزائر الاستقلال التي كانت تعاني من شحّ الكفاءات في جميع الميادين، والتي استعانت بالخارج لسد العجز، هي اليوم لاتحتكم فقط على عدد كبير من الموارد البشرية ذات الكفاءة العالية، بل أنها توردها إلى الخارج لتصنع مجدا آخر في بلدان جد متقدمة.
الجزائر اليوم، تعدّ من البلدان القلائل في المنطقة العربية التي تنعم بالاستقرار السياسي، مع وجود حركية على المستوى الحزبي وعلى مستوى الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني، التي لها الحرية في ممارسة حقوقها السياسية والتعبير عن آرائها ووجهات نظرها في كل المسائل.
الجزائر اليوم، تعيش وضعا اقتصاديا إيجابيا بمؤشراته الكلية، لاسيما بعد تسديد كل ديونها الخارجية، وتنامي احتياطي صرفها إلى أكثر من 200 مليار دولار، وحتى وإن مازالت نسبة النمو تحت المستوى، إلا أنها تظل معقولة بالنظر إلى الأزمة العالمية الأخيرة.
مع ذلك، فإنه من الضروري الاعتراف بأن بقاء الاقتصاد الجزائري رهينة المحروقات، يبقى من النقاط التي تشكل انشغالا حقيقيا للجميع، سلطات وخبراء، وهو الرهان الحقيقي الذي أشارت الحكومة إلى ضرورة رفعه في السنوات المقبلة.
ومن الناحية الاجتماعية، يظهر بشكل جلي التغير في المستوى المعيشي للمواطنين الذي تعزز بإطلاق الحكومة منذ 1999 لثلاث مخططات تنموية، أنفقت فيها ملايير الدولارات من أجل إنجاز مشاريع هامة في قطاعات حيوية تمس المواطن في حياته اليومية، لاسيما المياه والأشغال العمومية والطاقة والسكن والنقل. في وقت تعد فيه الجزائر من الدول القليلة التي تخصص مبالغ هامة للتحويلات الاجتماعية بنسبة تصل إلى 12 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، وهي التحويلات التي تخصص لدعم أسعار الطاقة وبعض المواد الأساسية.
في ظل كل هذه المعطيات، ومع كل الرهانات التي أصبحت تطرح بفعل الأوضاع التي تعرفها الدول المجاورة لبلادنا، ورغم أن الجزائر عرفت كيف تتعامل بحذر مع التغيرات التي تعرفها المنطقة، فإن قيمة السيادة الوطنية وقيمة الاستقلال تبدو اليوم أكثر من أي وقت مضى، ذات أهمية بالغة للأجيال القادمة.
ولهذا، فإن الحديث عن ذكرى الاستقلال لايعني اليوم النظر إلى الوراء، بقدر مايعني التركيز على رهانات المستقبل التي تطرحها الأوضاع الجديدة ويفرضها التمسك بمكتسبات السيادة الوطنية
الجمعة يوليو 05, 2013 11:59 am
موضوع: الذكرى الواحدة والخمسون لعيد الاستقلال " 50 سنة ذاكرة و إنجازات "
الخميس أبريل 16, 2020 8:10 pm